العشق بالروح ... والعشق بالجسد
ماذا يبقى من الجسد إذا خرجت منه الروح .. وأين تكون الروح إذا صارت بلا جسد .. أنا لا أتصور الإنسان هذا الكائن المعجزة إلا جسدا وروحا .. ولهذا أضحك كثيرا كلما سمعت مقولة (عشق الروح ليس له أخر لكن عشق الجسد فاني) .. ولا أدري المعنى هنا هل عشق روح الحبيب هو الباقي وعشق جسده هو الفاني .. أم أن المعنى هنا ينطبق على الروح في كل زمان ومكان وأنها الأبقى .. والجسد الذي يمكن أن ينتهي في أي وقت .. ولا يوجد في الحب شيء اسمه الروح أو الجسد .. لأن الحب الحقيقي لا ينفصل .. ولهذا يجب أن نفرق بين لغة القلب وهي تشمل الروح والجسد معا .. ولغة الغريزة وهي لا تقترب كثيرا من الحب ولكنها الأقرب للنزوة ، وبعض الناس يرى أن النزوة ، لون من ألوان الحب .. ولكنها في حقيقة الأمر لا تتجاوز حدود الرغبة ، وهي تزول بانتهاء تحقيقها ، ومن أسوأ الأشياء في زماننا أن نخلط بين الحب والنزوة لأن الحب شيء أكبر بكثير من مجرد لحظة إشباع عابرة لا يبقى شيء منها غير ظلال باهتة .
في الحب يصعب أن نفرق بين الروح والجسد .. في الحب يتحرك كل شيء من الجسد .. العيون تضحك وقد تبكي . والقلب يذوب شوقا وألما ، والجوانح ترتجف .. الكلام يضيع .. كل هذا يحدث في الجسد حين نحب ، بل إن الجسد أحيانا يضعف ويتهاوى أمام الفشل في الحب ، تتراجع رغبتنا في الطعام أو النوم ، يمكن أن يعصف بنا حزن جامح ، يمكن أن يزورنا شيء كئيب اسمه الاكتئاب ، ما أكثر الأمراض التي يمكن أن تحملها أحزان الحب للجسد الهزيل .
وفي المقابل يتغير كل شيء في هذا الجسد أمام حب متكافئ يحقق لنا الراحة والأمن والسعادة ولهذا فأن الزواج السعيد يطيل العمر ويجنب الإنسان أعراض الشيخوخة .
وإذا انتقلنا إلى الشطر الأخر من المعادلة ، وهو الروح وجدنا أنها تحرك كل شيء ، إنها مصدر الألم والسعادة والحزن والرحمة ، والأمان ، إننا لا نشعر بالأمان لأن الحراس حولنا ، ولكن لأن في أعماقنا شيئا يحمل لنا هذا الأمان ، في بعض الأحيان تشعر بالخوف وأنت في أكثر الأماكن أمنا .. وفي أحيان أخرى تشعر بالأمن وأمامك وجه حبيب تتأمل ملامحه وتسافر في عينيه .
وإذا تصورنا أن الحب علاقة جسد مع جسد أخر فهذا حديث غرائز لا يتجاوز حدود اللحظة .. والحب أكبر من هذا بكثير ، إن الحب امتداد وتواصل وحوار ومسئولية وعمر وزمان ، وأحلام نرسمها معا ، وأيام تؤنسنا في ليلي الوحشة ، أن الحب كائن يتسلل إلى كل نقطة دم في عروقنا ، انه حياة متصلة ، وعمر دائم وإحساس لا يفارقنا ، ومن هنا يصبح الحديث عن الحب بلا روح نزوة عابرة ، ويصبح الحديث عن الروح بلا جسد أوهام وخيالات ، والحب الحقيقي رحلة بين روحين وجسدين في وقت واحد .
ومن هنا أرى أن الفصل في الحب بين الروح والجسد فصل تعسفي فلا يوجد حب بالروح ، ولا يوجد عشق بالجسد ، إلا إذا كانت الرغبة أو النزوة تعني عند البعض شكلا من أشكال الحب وهذا خطأ فادح .
في الحب لا نرى الحبيب بعيوننا فقط ، ولكن نراه بأرواحنا وهو بعيد .. ويمكن ألا يكون معنا جسدا ونراه ، وفي الحب مشاعر كثيرة تنبت في الروح وتسكن في الجسد ، نحن لا نرى أمامنا شيئا اسمه الحنين .. لا نسمع صوتا اسمه الشوق .. ولا نرصد ملامح إحساس جميل اسمه الذكرى هذه المشاعر كلها وان بدت أطيافا وظلالا فإنها تهز كل شيء في هذا الجسد العاشق .. ولهذا لا يوجد عشق بلا روح ، ولا يوجد حب بلا جسد ، والله تعالى خلق الإنسان روحا وجسدا .. ولو أراد سبحانه لجعله جسدا بلا روح .. أو روحا بلا جسد .