كتاب المسلم العاصي
تختلف أحوال العباد باختلاف درجات الأعمال .. من العباد
من يقلب صفحات كتابه فيجد عمله واضحا جليا ، وعندما تمر به الحسنة يظن أنه سينجو
لكنه يفاجأ بعبارة في نهاية الكتاب :
هذه حسناتك وقد ردت عليك وهذه سيئاتك وقد ضوعفت عليك .
فيتغير لونه ، يسود وجهه ويعلوه الحزن والكآبة والقنوط ، يثور ، يتساءل في نفسه
بغيظ مكظوم ، يتساءل بهمس مذعور :
كيف ؟! كيف تضيع حسناتي هباء وقد تعبت في تحصيلها ؟
ولماذا ؟ لماذا تضاعف سيئاتي ؟ أين الرحمة ؟ أين العدل ؟
لم تتركه الرحمة ولم يتركه العدل حائرا ، تائها يتخبط في
أقواله ، وتزول عنه الغشاوة بتكوينه الجديد ، يرى ويعرف ما لم يستطع رؤيته ومعرفته
في الدنيا ، ويلمس ظلال الرحمة الوارفة ، يستشعر ميزان العدل القائم في ساحة
الحساب ، تدركه الرحمة ، ويدركه العدل ، يجيبانه في رحاب الحق جل جلاله ، ويعرف
الحقيقة ، الحقيقة المطلقة ، المجردة من أي أهواء شخصية ، إن ما يحذف من حسنات الإنسان
إنما هي مقابل ظلمه للغير ، تحذف الحسنات من صحيفة الظالم لتضاف إلى صحيفة المظلوم
، وتختلف درجات الحذف والإضافة تبعا لاختلاف مستويات المظالم ، فمن العباد من يرد
جزء من حسناته ، ومنهم من ترد كل حسناته لتنتقل إلى صحيفة المظلومين ومنهم من كان
ظلمه شديدا ، متعددا ، حتى أنه يمحي كل حسناته ويأخذ من سيئات المظلومين لتضاف إلى
سيئاته ، والخلاصة أن أمر الظالم في ذلك الموقف العظيم يصبح في يد أصحاب المظالم !
ويلقى حسابا صعبا عسيرا !
فحذار .. حذار يا ابن ادم من ظلم الغير ، فقد تتعب ، تكد
وتكدح عمرا طويلا ، تجمع حسنات لتلقى بها ربك ، ثم تضيع هباء ، تضيع في الظلم
بكافة أشكاله وأنواعه ودرجاته ، اعرف واجباتك تجاه الغير كما تعرف حقوقك ، وحذار،
حذار مما تتصوره صغيرا ، فقد يكون عند الله كبيرا ، حذار من الغيبة والنميمة ، من
الهمز واللمز ، من أخذ حقوق الغير أيا كانت ، ومن كافة تعاملاتك مع خلق الله .
فالخالق الغفار يستطيع أن يغفر الذنوب جميعا ، لكن
المخلوق الضعيف قد لا يستطيع أن يغفر ذنبا واحدا ، لأنه في أشد الحاجة إلى حسنة
واحدة .
( يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه * فأما
من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب إلى أهله مسرورا * وأما
من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا * انه كان في أهله
مسرورا * انه ظن أن لن يحور * بلى إن ربه كان به بصيرا ) ( الانشقاق : 6-15 ) .
قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) : ( إذا جمع
الله الأولين والآخرين يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد : من كان أشرك في
عمل عمله لله ، فليطلب ثوابه عند غير الله ، فان الله أغنى الشركاء عن الشرك ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
(أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين * يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى
السجود فلا يستطيعون * خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم
سالمون ) (القلم : 41-43 ) .