احمدالخالدي مشرف عبقات عام
الجنس : المهنة : المزاج : الابراج : عدد المساهمات : 412 تاريخ الميلاد : 29/09/1976 تاريخ التسجيل : 14/06/2012 العمر : 48
| موضوع: تحدّي القرآن بعدم وقوع الاختلاف فيه الأربعاء أكتوبر 03, 2012 11:35 pm | |
| تحدّي القرآن بعدم وقوع الاختلاف فيه
تعتبر هذه الجهة من أهمّ الجهات التي تمثّل إحدى حلقات المنهج الذي يطرحه القرآن في التحدّي، ويمكن بيان عدم وقوع الاختلاف والتناقض في القضايا التي يتبناها القرآن بأحد معنيين، هما: 1 ـ إن عدم وقوع الاختلاف والتناقض مستند على أن القرآن لم يتكلّم في محور واحد من المعرفة، بل تكلّم في محاور مختلفة من أبعاد المعرفة بعضها يختلف عن الآخر من الجهة العلمية والمنهجية، كما لو تكلّم الإنسان عن قضايا الفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها، ومن ثمّة لا يمكن تصوّر وقوع التناقض؛ لعدم وحدة الموضوع في أمثال هذه القضايا. ومن الواضح أن هذا التفسير لعدم وقوع التناقض في القرآن لا يقتضي الإعجاز والتحدّي من الناحية المذكورة. 2 ـ إن القرآن الكريم تبنّى الكلام حول محور واحد بالرغم من كثرة القضايا والمفاهيم التي يستعرضها من خلال آياته، وهذا المحور هو التوحيد الذي بنى عليه القرآن جميع معارفه وعقائده وقيمه ومفاهيمه، وبذلك يكون التوحيد الحقيقي حاكماً على جميع المعارف القرآنية من عقائد وتشريعات وأحكام. وبالرغم من كثرة هذه القضايا وتشعّباتها وأنها تدور على محور واحد، يدّعي القرآن التحدّي في هذه الجهة وهي عدم وقوع الاختلاف فيه، وهذا المعنى لعدم وقوع الاختلاف ـ بناءً على ثبوته ـ هو الذي يرتكز عليه الإعجاز القرآني حينئذ لأنه فوق طاقة البشر والعادة المعهودة عند الإنسان. يتمثّل التحدّي المذكور في قوله تعالى: )أفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً((201). فما دمنا في عالم المادّة والطبيعة المتحوّلة التي يحكمها قانون التكامل والتغيّر نحو الأكمل، وعدم ثبات شيء في محلّه مطلقاً، كما يشهد بذلك التقلّب الهائل الذي نراه في هذا العالم الذي نعيش فيه وعلى جميع المستويات التكوينية والوجودية، يستحيل حينئذ أن يكون ثمّة شيء باقياً على ثباته بالرغم من انتمائه إلى هذا العالم المحكوم بقوانين المادّة وسلطة الزمان والمكان، وبذلك يكون الثبات القرآني وعدم الاختلاف في القضايا التي يتبنّاها ـ بالرغم من أنه طرحها في تدرّج زماني معروف استغرق ثلاثاً وعشرين سنة ـ دليلاً على إعجاز القرآن وأنه ليس من صنع البشر والعقل الإنساني. يقرّر الطباطبائي قدّس سره هذه الحقيقة بقوله: «فإن من الضروري أن النشأة نشأة المادّة، والقانون الحاكم فيها قانون التحوّل والتكامل. فما من موجود من الموجودات التي هي أجزاء هذا العالم إلاّ وهو متدرّج الوجود متوجّه من الضعف إلى القوة ومن النقص إلى الكمال في ذاته وجميع توابع ذاته ولواحقه من الأفعال والآثار، ومن جملتها الإنسان الذي لا يزال يتحوّل ويتكامل في وجوده وأفعاله وآثاره التي منها آثاره التي يتوسّل إليها بالفكر والإدراك. فما من واحد منا إلاّ ويرى نفسه كلّ يوم أكمل من أمس، ولا يزال يعثر في الحين الثاني على سقطات في أفعاله وعثرات في أقواله الصادرة منه في الحين الأول، هذا أمر لا ينكره من نفسه إنسان ذو شعور»(202). ثمّة كلمة للكاتب الكبير عماد الدين أبي عبد الله محمد بن حامد الأصبهاني (ت 597هـ) يقول فيها: «إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتاباً في يومه، إلاّ قال في غده لو غيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قدّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر». «وهذا في الكاتب الصادق، وأما الكاتب الذي يبني أمره على الكذب والافتراء في أنظاره وآرائه وأحكامه وإخباراته، فلا يمكن أن يتخلّص عن التناقض والاختلاف، ولاسيّما إذا تعرّض لكثير من الأمور المهمة في مجال العقائد والتشريعات والنظم الاجتماعية والأخلاقية التي تتطلب لنفسها تبنّي أدقّ القواعد وأحكم الأسس ولاسيّما إذا طالت على ذلك المفترى أيّام، ومرّت عليه عقود، وقد قيل قديماً: لا ذاكرة لكذوب. وإنّا نرى العالم النابغ في علم معيّن، يؤلّف الكتاب ويستعين عليه بالباحثين، ثم يطيل التأمّل فيه وينقّحه ويطبعه، فلا تمرّ سنوات قليلة إلاّ ويظهر له الخطأ والاختلاف؛ فلا يعيد طبعه إلاّ بعد أن يغيّر منه ويصحّح ما شاء»(203). وقد أثبت التاريخ الإنساني الطويل الذي مرّت به جميع الشعوب والأمم أن الكذب لا يدوم وأن الإنسان الكاذب لا يلبث قليلاً إلاّ أن يأتي بما يكذب به نفسه أو ينادي بما يكشف له القناع عن بطلان ما أخبر به سابقاً. ولسائل أن يسأل: ما هو السبب في عدم بقاء الكذب ودوامه؟ الجواب: إن هذا الكون الذي يعيش فيه الإنسان قائم على نظام دقيق ترتبط من خلاله بعض أجزاء الكون ببعضها الآخر بمجموعة من النسب والإضافات التي لا تتغيّر ولا تتبدّل، فلكلّ حادث من الحوادث التي يزخر بها الواقع الخارجي لوازم وملزومات متناسبة لا ينفكّ بعضها عن الآخر، ولهذه الحوادث جميعاً فيما بينها أحكام وآثار يتّصل بعضها ببعض، وعليه فلو اختلّ أحدها لاختلّ بتبعه الجميع، وسلامة الواحد تدلّ على سلامة السلسلة أجمع. وهذا قانون كلّي غير قابل لورود الاستثناء عليه. في ضوء هذا القانون فليس في وسع الإنسان ولأيّ سبب مفروض أنه إذا ستر شيئاً من الحقائق الكونية بنوع من التلبيس أو الكذب أن يستر جميع اللوازم والملزومات المرتبطة به أو أن يستطيع إخراجها عن محالّها الواقعية أو يحرفها عن مجراها في سلسلة التكوين المنتظمة، فإن ألقى ستراً على واحدة منها ظهرت الأخرى وهكذا. على أساس هذه السنّة الجارية في نظام التكوين الوجودي وبناءً على معطياتها كانت الدولة للحق وإن كانت للباطل جولة، فالجولة لا محالة تصل إلى نهايتها لأنها قائمة على الكذب الذي لا يدوم، أما الدولة فهي باقية بقاء الصدق ودوام الحق، ومن هنا أيضاً كانت القيمة الحقيقية للصدق دون الكذب؛ قال تعالى: )إنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ((204) وقالإنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرفٌ كَذَّابٌ((205)، وقال: )بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أمْرٍ مَرِيج((206) لأنهم عدُّوا الحقّ كذباً وبنوا على الباطل واعتمدوا عليه في حياتهم، فوقعوا في نظام مختلّ يناقض بعض أجزائه بعضاً ويكذّب بعضها بعضاً.(207) وفي ضوء هذا التحوّل الذي يحكم العالم المادّي واستناداً إلى معطيات قانون الترابط الوجودي المتقدّم، يأتي الكتاب الذي جاء به النبيّ صلى الله عليه وآله من دون أدنى اختلاف أو تناقض بين آياته، بالرغم من أنه قرأه على الناس قِطعاً امتدّت على مدى ثلاث وعشرين سنة وفي أحوال مختلفة وظروف متفاوتة بين مكة والمدينة طيلة الفترة المذكورة، وقد احتوى على ذلك الكمّ الهائل من المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة والتشريعات والأحكام التي عالجت جميع جوانب الحياة من دون تهافت أو اختلاف، بل نجد أن القرآن يفسّر بعضه بعضاً ويشّد بعضه بعضاً، فضلاً عن عدم وقوع الاختلاف فيه. قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض...»(208). نستطيع أن نفهم ثبات القرآن وعدم وقوع الاختلاف فيه أيضاً بالاستناد إلى قوله تعالى: )ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللّهِ باق..( (209). فإن حقيقة القرآن العليا التي لا ريب فيها وأنها هي الكتاب المكنون الذي لا يمسّه إلا المطهّرون عند الله عزّ وجلّ، لا يمكن أن ينالها التحوّل والتبدّل ولا يتسلط عليها قانون التكامل الذي يهيمن على عالم المادّة. لذا عبّر القرآن عن عالم الآخرة بأنه «دار القرار»(210) و«دار الحيوان»(211) أي لا تبدّل فيها ولا تحوّل بل الاستقرار والخلود. في ضوء التحدّي بعدم وقوع الاختلاف في القرآن لابدّ من التعرّض لمسألتين: الأولى: أن هناك مجموعة من الكتب التي تصدّت لدعوى وجود التناقض والاختلاف بين آيات القرآن، وقد ذكر مؤلفو هذه الكتب أمثلة كثيرة لدعوى التهافت المذكورة. فكيف يتمّ التحدّي القرآني حينئذ؟ الثانية: أن النسخ ثابت في القرآن بلا ريب، وقد نسخت آيات بآيات أخرى، الأمر الذي يدلّ على وقوع التبدّل والتغيير في قضايا القرآن بحسب الزمان والمكان، والآيات الناسخة تخالف المنسوخة حكماً، مع أن القرآن يجمعهما معاً، فيثبت الاختلاف بين آيات القرآن حينئذ؟! قال تعالى: )ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أوْ نُنْسِها نَأتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها((212). أما المسألة الأولى فقد تعرّض لردّها المفسّرون والمحقّقون في علوم القرآن، وقد دُوّنت في هذا المجال كتب عديدة تصدّت لردّ دعوى التناقض في القرآن الكريم، والمسألة بتفاصيلها خارجة عن المحور الأساسي لهذا الكتاب، فمن أراد التفصيل فليراجع كتب التفسير التي بسطت الكلام في هذه المسألة(213). «فما أشير إليه من المناقضات والإشكالات موجودة في كتب التفسير وغيرها مع أجوبتها... ولا تكاد تجد في هذه المؤلفات التي ذكرها المستشكل شبهة أوردوها أو مناقضة أخذوها إلاّ وهي مذكورة في مسفورات المفسرين مع أجوبتها، فأخذوا الإشكالات وجمعوها ورتّبوها وتركوا الأجوبة وأهملوها، ونعم ما قيل: لو كانت عين الحبّ متَّهمة فعين البغض أولى بالتُّهمة»(214). وأما المسألة الثانية وهي وقوع النسخ في آيات القرآن وهو يدلّ على التغيّر والتبدّل فيه؛ ومعه يقع التخالف بين الأحكام القرآنية بمقتضى بقاء الآية المنسوخة ضمن القرآن أيضاً، فلابدّ من التعرّض لمعنى النسخ في الاصطلاح وتحليل حقيقيته التي ترجع إلى عدم وقوع الاختلاف في القرآن
المصادر
(201) النساء: 82. (202) الميزان في تفسير القرآن: ج1 ص68. (203) الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل: ج3 ص373. أقول: حريّ بمن تتوق نفسه لتذوّق طعم الحقيقة ونيل حلاوتها أن يعتبر بهذا الدرس ويتأمّل في هذه العبرة لكي يغرس جذوره العلمية، التي وهبه الله إيّاها في أرض الحقيقة الخصبة التي لا تميل أشجارها مع كلّ ريح ولا ينعق أهلها مع كلّ ناعق، خصوصاً فيما لو صدر الكلام من عند غير الله تعالى. فاعتبر إن كنت من أهله!! (المؤلف). (204) الزمر: 3. (205) غافر: 28. (206) ق: 5. (207) راجع الميزان في تفسير القرآن: ج11 ص106. (208) نهج البلاغة، تحقيق الشيخ محمد عبده: ج2 ص17، دار المعرفة، بيروت. (209) النحل: 96. (210) )يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار( (غافر:39). (211) قال تعالى: )وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ( (العنكبوت: 64). (212) البقرة: 106. (213) راجع روح المعاني، للآلوسي: ج1 ص30 وأيضاً نظرات استشراقية في الإسلام، والمستشرقون والإسلام للدكتور عرفان عبد الحميد: ص18، ودراسات في الفكر الفلسفي الإسلامي للدكتور حسام الدين الآلوسي: ص86، وبحوث في القرآن الكريم، د. عبد الجبار شرارة: ص45. (214) الميزان في تفسير القرآن: ج1 ص69.
| |
|
أنوار الزهراء عضو مبتدئ
الجنس : المهنة : المزاج : نوع المتصفح : الابراج : عدد المساهمات : 61 تاريخ الميلاد : 09/10/1987 تاريخ التسجيل : 07/10/2012 العمر : 37
| موضوع: رد: تحدّي القرآن بعدم وقوع الاختلاف فيه الأربعاء أكتوبر 10, 2012 6:32 am | |
| جَزَاك الْلَّه خَيْر الْجَزَاء وَشُكْرَا لَطـــرَحُك الْهَادَف وَإِخْتِيارِك الْقَيِّم رِزْقِك الْمَوْلَى الْجِنـــــــــــــة وَنَعِيْمَهَا
| |
|