الجنس : المهنة : المزاج : نوع المتصفح : الابراج : عدد المساهمات : 14 تاريخ الميلاد : 01/01/1990 تاريخ التسجيل : 14/10/2013 العمر : 34 الموقع : العراق
موضوع: سورة الفجر الثلاثاء نوفمبر 05, 2013 9:14 am
الهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ويسر مخرجهم
تفسير سورة والفجر
في السورة ذم التعلق بالدنيا المتعقب للطغيان و الكفران و إيعاد أهله بأشد عذاب الله في الدنيا و الآخرة فتبين أن الإنسان لقصور نظره و سوء فكره يرى أن ما آتاه الله من نعمه من كرامته على الله و أن ما يتلبس به من الفقر و العدم من هوانه فيطغى و يفسد في الأرض إذا وجد و يكفر إذا فقد و قد اشتبه عليه الأمر فما يصيبه من القدرة و الثروة و من الفقر و ضيق المعاش امتحان و ابتلاء إلهي ليظهر به ما ذا يقدم من دنياه لأخراه .
فليس الأمر على ما يتوهمه الإنسان و يقوله بل الأمر كما سيتذكره إذا وقع الحساب و حضر العذاب أن ما أصابه من فقر أو غنى أو قوة أو ضعف كان امتحانا إلهيا و كان يمكنه أن يقدم من يومه لغده فلم يفعل و آثر العقاب على الثواب فليس ينال الحياة السعيدة في الآخرة إلا النفس المطمئنة إلى ربها المسلمة لأمره التي لا تتزلزل بعواصف الابتلاءات و لا يطغيه الوجدان و لا يكفره الفقدان .
و السورة مكية بشهادة سياق آياتها .
قوله تعالى : « و الفجر و ليال عشر و الشفع و الوتر و الليل إذا يسر هل في ذلك قسم
الميزان في تفسير القرآن ج : 20ص :279
لذي حجر » الفجر الصبح و الشفع الزوج ، قال الراغب : الشفع ضم الشيء إلى مثله و يقال للمشفوع شفع .
انتهى .
و سري الليل مضيه و إدباره ، و الحجر العقل فقوله : « و الفجر » إقسام بالصبح و كذا الحال فيما عطف عليه من ليال و الشفع و الوتر و الليل .
و لعل ظاهر قوله : « و الفجر » أنالمراد به مطلق الفجر و لا يبعد أيضا أن يراد به فجر يوم النحر و هو عاشر ذي الحجة .
و قيل : المراد فجر ذي الحجة ، و قيل : فجر المحرم أول السنة و قيل : فجر يوم الجمعة ، و قيل فجر ليلة جمع ، و قيل : المراد به صلاة الفجر ، و قيل : النهار كله و قيل : فجر العيون من الصخور و غيرها و هي وجوه ردية .
و قوله : « و ليال عشر » لعل المراد بها الليالي العشر من أول ذي الحجة إلى عاشرها و التنكير للتفخيم .
و قيل : المراد بها الليالي العشر من آخر شهر رمضان ، و قيل : الليالي العشر من أوله ، و قيل الليالي العشر من أول المحرم ، و قيل : المراد عبادة ليال عشر على تقدير أن يراد بالفجر صلاة الفجر .
و قوله « و الشفع و الوتر » يقبل الانطباق على يوم التروية و يوم عرفة و هو الأنسب على تقدير أن يراد بالفجر و ليال عشر فجر ذي الحجة و العشر الأول من لياليها .
و قيل : المراد صلاتا الشفع و الوتر في آخر الليل ، و قيل : مطلق الصلاة فمنها شفع و منها وتر ، و قيل : الشفع يوم النحر و الوتر يوم عرفة ، و قيل : الشفع جميع الخلق لأنه قال : « و خلقناكم أزواجا » : النبأ : 8 و الوتر هو الله تعالى ، و على هذه الأقوال روايات ستوافيك في البحث الروائيالآتي إن شاء الله .
و قيل : المراد الزوج و الفرد من العدد ، و في الإقسام بهما تذكير بالعدد لما في ضبط المقادير به من عظيم النعمة من الله سبحانه ، و قيل : الشفع و الوتر جميع المخلوقات لأن الأشياء إما زوج و إما فرد ، و قيل : الوتر آدم شفع بزوجته ، و قيل : الشفع الأيام و الليالي و الوتر اليوم الذي لا ليل بعده و هو يوم القيامة ، و قيل : الشفع الصفا و المروة و الوتر البيت الحرام ، و قيل : الشفع أيام عاد و الوتر لياليها ، و قيل : الشفع أبواب الجنة و هي ثمانية و الوتر أبواب جهنم و هي سبعة إلى غير ذلك و هي كثيرةأنهاها بعضهم إلى ستة و ثلاثين قولا و لا يخلو أكثرها من تحكم .
الميزان في تفسير القرآن ج : 20ص :280
و قوله : « و الليل إذا يسر » أي يمضي فهو كقوله : « و الليل إذ أدبر » : المدثر : 33 و ظاهره أن اللام للجنس فالمراد به مطلق آخر الليل ، و قيل : المراد به ليلة المزدلفة و هي ليلة النحر التي يسري فيها الحاج من عرفات إلى المزدلفة فيجتمع فيها على طاعة الله ثم يغدوا منها إلى منى و هو كما ترى و خاصة على القول بكون المراد بليال عشر هو الليالي العشر الأوائل منها .
و قوله : « هل في ذلك قسم لذي حجر » الإشارةبذلك إلى ما تقدم من القسم ، و الاستفهام للتقرير ، و المعنى أن في ذلك الذي قدمناه قسما كافيا لمن له عقل يفقه به القول و يميز الحق من الباطل ، و إذا أقسم الله سبحانه بأمر - و لا يقسم إلا بما له شرف و منزلة - كان من القول الحق المؤكد الذي لا ريب في صدقه .
و جواب الأقسام المذكورة محذوف يدل عليه ما سيذكر من عذاب أهل الطغيان و الكفران في الدنيا و الآخرة و ثواب النفوس المطمئنة ، و أن إنعامه تعالى على من أنعم عليه و إمساكه عنه فيمن أمسك إنما هو ابتلاء و امتحان .
و حذف الجواب و الإشارة إليه على طريق التكنية أوقع و آكد في باب الإنذار و التبشير .
قوله تعالى : « أ لم تر كيف فعل ربك بعاد » هم عاد الأولى قوم هود تكررت قصتهم في القرآن الكريم و أشير إلى أنهم كانوا بالأحقاف ، و قد قدمنا ما يتحصل من قصصهم في القرآن الكريم في تفسير سورة هود .
قوله تعالى : « إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد » العماد و جمعه عمد ما يعتمد عليه الأبنية ، و ظاهر الآيتين أن إرم كانت مدينة لهم معمورة عديمة النظير ذات قصور عالية و عمد ممددة ، و قد انقطعت أخبار القوم عهدهم و انمحت آثارهم ، فلا سبيل إلى الحصول على تفصيل حالهم تطمئن إليها النفس إلا ما قصة القرآن الكريم من إجمال قصتهم أنهم كانوا بعد قوم نوح قاطنين بالأحقاف و كانوا ذوي بسطة في الخلق أولي قوة و بطش شديد ، و كان لهم تقدم و رقي في المدنية و الحضارة لهم بلاد عامرة و أراض خصبة ذات جنات و نخيل و زروع و مقام كريم و قد تقدمت القصة .
و قيل : المراد بإرم قوم عاد - و هو في الأصل اسم أبيهم سموا باسم أبيهم كما يقال : قريش و يراد به القرشيون و يطلق إسرائيل و يراد به بنو إسرائيل - و المراد بكونهم
الميزان في تفسير القرآن ج : 20ص :281
ذات عماد كونهم أولي قوة و سطوة .
و المعنى : أ لم تر كيف فعل ربك بقوم عاد الذين هم قوم إرم ذوو القوة و الشدة الذين لم يخلق مثلهم في بسطة الجسم و القوة و البطش في البلاد أو في أقطار الأرض و لا يخلو من بعد من ظاهر اللفظ .
و أبعد منه ما قيل : إن المراد بكونهم ذات العماد أنهم كانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم .
و من الأساطير قصة جنة إرم المشهورة المروية عن وهب بن منبه و كعب الأحبار .
قوله تعالى : « و ثمود الذين جابوا الصخر بالواد » الجوب القطع أي قطعوا صخر الجبال بنحتها بيوتا فهو في معنى قوله : « و تنحتون من الجبال بيوتا » : الشعراء : 149 .
قوله تعالى : « و فرعون ذي الأوتاد » هو فرعون موسى ، و سمي ذا الأوتاد - على ما في بعض الروايات - لأنه كان إذا أراد أن يعذب رجلا بسطه على الأرض و وتد يديه و رجليه بأربعة أوتاد في الأرض و ربما بسطه على خشب و فعل به ذلك ، و يؤيده ما حكاه الله من قوله يهدد السحرة إذ آمنوا بموسى : « و لأصلبنكم في جذوع النخل » : طه : 71 فإنهم كانوا يوتدون يدي المصلوب و رجليه على خشبة الصليب .
قوله تعالى : « الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد » صفة للمذكورين من عاد و ثمود و فرعون ، و المعنى ظاهر .
قوله تعالى : « فصب عليهم ربك سوط عذاب » صب الماء معروف و صب سوط العذاب كناية عن التعذيب المتتابع المتواتر الشديد ، و تنكير عذاب للتفخيم .
و المعنى فأنزل ربك على كل من هؤلاء الطاغين المكثرين للفساد إثر طغيانهم و إكثارهم الفساد عذابا شديدا متتابعا متواليا لا يوصف .
قوله تعالى : « إن ربك لبالمرصاد » المرصاد المكان الذي يرصد منه و يرقب و كونه تعالى على المرصاد استعارة تمثيلية شبه فيها حفظه تعالى لأعمال عباده بمن يقعد على المرصاد يرقب من يراد رقوبه فيأخذه حين يمر به و هو لا يشعر فالله سبحانه رقيب يرقب أعمال عباده حتى إذا طغوا و أكثروا الفساد أخذهم بأشد العذاب .
و في الآية تعليل ما تقدم من حديث تعذيب الطغاة المكثرين للفساد من الماضين و في قوله : « ربك » بإضافة الرب إلى ضمير الخطاب تلويح إلى أن سنة العذاب جارية في أمته
الميزان في تفسير القرآن ج : 20ص :282
(صلىاللهعليهوآلهوسلّم) على ما جرت عليه في الأمم الماضين .
قوله تعالى : « فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن » متفرع على ما قبله ، فيه تفصيل حال الإنسان إذا أوتي من نعم الدنيا أو حرم كأنه قيل : إن الإنسان تحت رقوب إلهييرصده ربه هل يصلح أو يفسد ؟ و يبتليه و يمتحنه فيما آتاه من نعمة أو حرمة هذا هو الأمر في نفسه و أما الإنسان فإنه إذا أنعم الله عليه بنعمة حسب أن ذلك إكرام إلهي له أن يفعل بها ما يشاء فيطغى و يكثر الفساد ، و إذا أمسك و قدر عليه رزقه حسب أنه إهانة إلهية فيكفر و يجزع .
فقوله : « فأما الإنسان » المراد به النوع بحسب الطبع الأولي فاللام للجنس دون الاستغراق .
و قوله : « إذا ما ابتلاه ربه » أي امتحنه و اختبره ، و العامل في الظرف محذوف تقديره كائنا إذا « إلخ » و قيل : العامل فيه « فيقول » .
و قوله : « فأكرمه ونعمه » تفسير للابتلاء ، و المراد بالإكرام و التنعيم الصوريان و إن شئت فقل : الإكرام و التنعيم حدوثا لا بقاء أي أنه تعالى أكرمه و آتاه النعمة ليشكره و يعبده لكنه جعلها نقمة على نفسه تستتبع العذاب .
و قوله : « فيقول ربي أكرمن » أي جعلني على كرامة منه بالنعم التي آتانيها و إن شئت فقل : القدرة و الجدة الموهوبتان إكرام و تنعيم حدوثا و بقاء فلي أن أفعل ما أشاء .
و الجملة أعني قوله : « فيقول ربي أكرمن » حكاية ما يراه الإنسان بحسب الطبع ، و قول الإنسان : « ربي أكرمن » الظاهر في نسبة التدبير إلى الله سبحانه - ولا يقول به الوثنية و المنكرون للصانع - مبني على اعترافه بحسب الفطرة به تعالى و إن استنكف عنه لسانا ، و أيضا لرعاية المقابلة مع قوله : « إذا ما ابتلاه ربه » .
قوله تعالى : « و أما إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن » أي و أما إذا ما امتحنه و اختبره فضيق عليه رزقه فيقول ربي أذلني و استخف بي .
و يظهر من مجموع الآيتين أولا حيث كرر الابتلاء و أثبته في صورتي التنعيم و الإمساك عنه أن إيتاء النعم و الإمساك عنه جميعا من الابتلاء و الامتحان الإلهي كما قال : « و نبلوكم بالشر و الخير فتنة » : الأنبياء : 35 لا كما يراه الإنسان .
و ثانيا أن إيتاء النعم بما أنه فضل و رحمة إكرام إن لم يبدلها الإنسان نقما على نفسه .
الميزان في تفسير القرآن ج : 20ص :283
و ثالثا أن الآيتين معا تفيدان أن الإنسان يرى سعادته في الحياة هي التنعم في الدنيا بنعم الله تعالى و هو الكرامة عنده و الحرمان منه شقاء عنده و الحال أن الكرامة هي في التقرب إليه تعالى بالإيمان و العمل الصالح سواء في ذلك الغنى و الفقر و أي وجدان و فقدان فإنما ذلك بلاء و امتحان .
و لهم في معنى الآيتين وجوه أخر تركنا التعرض لها لقلة الجدوى .
قولهتعالى : « كلا بل لا تكرمون اليتيم و لا تحاضون على طعام المسكين » ردع لقولهم : إن الكرامة هي في الغنى و التنعم ، و في الفقر و الفقدان هوان و مذلة ، و المعنى ليس كما تقولون و إنما إيتاؤه تعالى النعمة و إمساكه عنه كل ذلك ابتلاء و امتحان يختبر به حال الإنسان من حيث عبوديته .
و في قوله : « بل لا تكرمون اليتيم » إلخ إضراب يؤكد الردع بذكر بعض التنعم الذي لا يجامع الكرامة البتة كعدم إكرامهم اليتيم بأكل تراثه و منعه منه و عدم التحريض على إطعام المسكين حبا للمال فالفطرة الإنسانية لا يرتاب في أن لا كرامة في غنى هذاشأنه .
و في الإضراب مضافا إلى أصل الردع تقريع و لتشديد هذا التقريع وقع الالتفات من الغيبة إلى الخطاب .
فقوله : « بل لا تكرمون اليتيم » عدم إكرامه حرمانه من تراث أبيه - كما كانوا يحرمون صغار الأولاد من الإرث - و تركه صفر الكف بلغ به الجهد ما بلغ كما تؤيده الآية التالية « و تأكلون التراث » إلخ .
و قوله : « و لا تحاضون على طعام المسكين » أصله و لا تتحاضون ، و هو تحريض بعضهم بعضا على التصدق على المساكين المعدمين ، و منشؤه حب المال كما في الآية الآتية « و تحبون المال » إلخ .
قوله تعالى : « و تأكلون التراث أكلا لما » اللم أكل الإنسان نصيب نفسه و غيره و أكله ما يجده من دون أن يميز الطيب من الخبيث ، و الآية تفسير لعدم إكرامهم اليتيم كما تقدم .
قوله تعالى : « و تحبون المال حبا جما » الجم الكثير العظيم ، و الآية تفسر عدم تحاضهم على طعام المسكين كما تقدم .
قوله تعالى : « كلا إذا دكت الأرض دكا دكا » الدك هو الدق الشديد ، و المراد بالظرف حضور يوم القيامة .
الميزان في تفسير القرآن ج : 20ص :284
ردع ثان عما يقوله الإنسان في حالي الغنى و الفقر ، و قوله : « إذا دكت الأرض » إلخ في مقام التعليل للردع ، و محصل المعنى ليس كما يقوله الإنسان فإنه سيتذكر إذا قامت القيامة إن الحياة الدنيا و ما فيها من الغنى و الفقر و أضرابهما لم تكن مقصودة بالذات بل كانت ابتلاء و امتحانا من الله تعالى يميز به السعيد من الشقي و يهيىء الإنسان فيها ما يعيش به في الآخرة و قد التبس عليه الأمر فحسبها كرامة مقصودة بالذات فاشتغل بها و لم يقدم لحياته الآخرة شيئا فيتمنى عند ذلك و يقول : يا ليتني قدمت لحياتي و لن يصرف التمني عنه شيئا من العذاب .
قوله تعالى : « و جاء ربك و الملك صفا صفا » نسبة المجيء إليه تعالى من المتشابه الذي يحكمه قوله تعالى : « ليس كمثله شيء » : الشورى : 11 و ما ورد في آيات القيامة من خواص اليوم كتقطع الأسباب و ارتفاع الحجب عنهم و ظهور أن الله هو الحق المبين .
و إلى ذلك يرجع ما ورد في الروايات أن المراد بمجيئه تعالى مجيء أمره قال تعالى : « و الأمر يومئذ لله » : الانفطار : 19 ، و يؤيد هذا الوجه بعض التأييد قوله تعالى « هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام و الملائكة و قضي الأمر » : البقرة : 210 إذا انضم إلى قوله : « هل ينظرون إلا أن يأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك » : النحل : 33 و عليه فهناك مضاف محذوف و التقدير جاء أمر ربك أو نسبة المجيء إليه تعالى من المجاز العقلي .
و الكلام في نسبة المجيء إلى الملائكة و كونهم صفا صفا كما مر .
قوله تعالى : « و جيء يومئذ بجهنم » إلى آخر الآية لا يبعد أن يكون المراد بالمجيء بجهنم إبرازها لهم كما في قوله تعالى : « و برزت الجحيم لمن يرى » : النازعات : 36 و قوله : « و برزت الجحيم للغاوين » : الشعراء : 91 ، و قوله : « لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد » : ق : 22 .
و قوله : « يومئذ يتذكر الإنسان » أي يتذكر أجلى التذكر أن ما كان يؤتاه في الحياة الدنيا من خير أو شر كان من ابتلاء الله و امتحانه و أنه قصر في أمره ، هذا ما يفيده السياق .
و قوله : « و أنى له الذكرى » أي و من أين له الذكرى كناية عن عدم انتفاعه بها فإن الذكرى إنما تنفع فيما أمكنه أن يتدارك ما فرط فيه بتوبة و عمل صالح و اليوم يوم الجزاء لا يوم الرجوع و العمل .
قوله تعالى : « يقول يا ليتني قدمت لحياتي » أي لحياتي هذه و هي الحياة الآخرة أو المراد الحياة الحقيقية و هي الحياة الآخرة على ما نبه تعالى عليه بقوله : « و ما هذه الحياة الدنيا
الميزان في تفسير القرآن ج : 20ص :285
إلا لهو و لعب و إن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون » : العنكبوت : 64 .
و المراد بالتقديم للحياة تقديم العمل الصالح للحياة الآخرة و ما في الآية تمن يتمناه الإنسان عند ما يتذكر يوم القيامة و يشاهد أنه لا ينفعه .
قوله تعالى : « فيومئذ لا يعذب عذابه أحد و لا يوثق وثاقه أحد » ضميرا عذابه و وثاقه لله تعالى و المعنى فيومئذ لا يعذب عذاب الله أحد من الخلق و لا يوثق وثاق الله أحد من الخلق أي إن عذابه و وثاقه تعالى يومئذ فوق عذاب الخلق و وثاقهم ، تشديد في الوعيد .
و قرىء « لا يعذب » بفتح الذال و « و لا يوثق » بفتح الثاء بالبناء للمفعول و ضميرا عذابه و وثاقه على هذا للإنسان و المعنى لا يعذب أحد يومئذ مثل عذاب الإنسان و لا يوثق أحد يومئذ مثل وثاقه .
قوله تعالى : « يا أيتها النفس المطمئنة » الذي يعطيه سياق المقابلة بين هذه النفس بما ذكر لها من الأوصاف و عين لها من حسن المنقلب و بين الإنسان المذكور قبل بما ذكر له من وصف التعلق بالدنيا و الطغيان و الفساد و الكفران ، و ما أوعد من سوء المصير هو أن النفس المطمئنة هي التي تسكن إلى ربها و ترضى بما رضي به فترى نفسها عبدا لا يملك لنفسه شيئا من خير أو شر أو نفع أو ضر و يرى الدنيا دار مجاز و ما يستقبله فيها من غنى أو فقر أو أي نفع و ضر ابتلاء و امتحانا إلهيا فلا يدعوه تواتر النعم عليه إلى الطغيان و إكثار الفساد و العلو و الاستكبار ، و لا يوقعه الفقر و الفقدان في الكفر و ترك الشكر بل هو في مستقر من العبودية لا ينحرف عن مستقيم صراطه بإفراط أو تفريط .
قوله تعالى : « ارجعي إلى ربك راضية مرضية » خطاب ظرفه جميع يوم القيامة من لدن إحيائها إلى استقرارها في الجنة بل من حين نزول الموت إلى دخول جنة الخلد و ليس خطابا واقعا بعد الحساب كما ذكره بعضهم .
و توصيفها بالراضية لأن اطمئنانها إلىربها يستلزم رضاها بما قدر و قضى تكوينا أو حكم به تشريعا فلا تسخطها سانحة و لا تزيغها معصية ، و إذا رضي العبد من ربه رضي الرب منه إذ لا يسخطه تعالى إلا خروج العبد من زي العبودية فإذا لزم طريق العبودية استوجب ذلك رضى ربه و لذا عقب قوله « راضية » بقوله « مرضية » .
قوله تعالى : « فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي » تفريع على قوله « ارجعي إلى ربك » و فيه دلالة على أن صاحب النفس المطمئنة في زمرة عباد الله حائز مقام العبودية .
الميزان في تفسير القرآن ج : 20ص :286
و ذلك أنه لما اطمأن إلى ربه انقطع عن دعوى الاستقلال و رضي بما هو الحق من ربه فرأى ذاته و صفاته و أفعاله ملكا طلقا لربه فلم يرد فيما قدر و قضى و لا فيما أمر و نهي إلا ما أراده ربه ، و هذا ظهور العبودية التامة في العبد ففي قوله : « فادخلي في عبادي » تقرير لمقام عبوديتها .
و في قوله : « و ادخلي جنتي » تعيين لمستقرها ، و في إضافة الجنة إلى ضمير التكلم تشريف خاص ، و لا يوجد في كلامه تعالى إضافة الجنة إلى نفسه تعالى و تقدس إلا في هذه الآية .
بحث روائي
في المجمع ، : في قوله تعالى : « و الشفع و الوتر » ، و قيل : الشفع الخلق لأنه قال : « و خلقناكم أزواجا » و الوتر الله تعالى : ، عن عطية العوفي و أبي صالح و ابن عباس و مجاهد و هي رواية أبي سعيد الخدري عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ، و قيل : الشفع و الوتر الصلاة منها شفع و منها وتر : و هي رواية عن ابن حصين عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) ، و قيل : الشفع يوم النحر و الوتر يوم عرفة : عن ابن عباس و عكرمة و الضحاك ، و هي رواية جابر عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و الوجه فيه أن يوم النحر يشفع بيوم نفر بعده و يتفرد يوم عرفة بالموقف ، و قيل : الشفع يوم التروية و الوتر يوم عرفة : و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهالسلام) .
أقول : الروايات الثلاث المشار إليها مروية عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) من طرق أهل السنة و يمكن الجمع بينها بأن المراد مطلق الشفع و الوتر و الروايات من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق .
و في تفسير القمي ، : « و ليال عشر » قال : عشر ذي الحجة « و الشفع و الوتر » قال : الشفع ركعتان و الوتر ركعة ، و في حديث : الشفع الحسن و الحسين و الوتر أمير المؤمنين (عليهالسلام) « و الليل إذا يسر » قال : هي ليلة جمع .
و فيه ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : « لذي حجر » يقول : لذي عقل .
و في العلل ، بإسناده إلى أبان الأحمر قال : سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله عز و جل : « و فرعون ذي الأوتاد » لأي شيء سمي ذا الأوتاد ؟ فقال : لأنه كان إذا عذب رجلا بسطه على الأرض على وجهه و مد يديه و رجليه فأوتدها بأربعة أوتاد في الأرض . و ربما بسطه على خشب منبسط فوتد رجليه و يديه بأربعة أوتاد ثم تركه على حاله حتى يموت فسماه الله عز و جل فرعون ذا الأوتاد .
الميزان في تفسير القرآن ج : 20ص :287
و في المجمع ، : في قوله تعالى : « إن ربك لبالمرصاد »و روي عن علي (عليهالسلام) أنه قال : إن معناه إن ربك قادر أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم .
أقول : بناء الرواية على أخذ الجملة استعارة تمثيلية .
و فيه ، عن الصادق (عليهالسلام) أنه قال : المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة عبد .
و عن الغوالي ، عن الصادق (عليهالسلام) في حديث في تفسير قوله تعالى : « و ذا النون إذ ذهب مغاضبا - فظن أن لن نقدر عليه » إنما ظن بمعنى استيقن إن الله تعالى لن يضيق عليه رزقه أ لا تسمع قول الله تعالى : « و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه » أي ضيق عليه .
و في تفسير القمي ، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهالسلام) في قوله : « كلا إذا دكت الأرض دكا دكا » قال : هي الزلزلة .
و في الدر المنثور ، أخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) : هل تدرون ما تفسير هذه الآية « كلا إذا دكت الأرض إلى قوله و جيء يومئذ بجهنم » قال : إذا كان يوم القيامة تقاد جهنم بسبعين ألف زمام بيد سبعين ألف ملك فتشرد شردة لو لا أن الله حبسها لأحرقت السماوات و الأرض : . أقول : و هو مروي أيضا عن أبي سعيد و ابن مسعود و من طرق الشيعة في أمالي الشيخ ، بإسناده عن داود بن سليمان عن الرضا عن آبائه عن علي (عليهالسلام) عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) .
و في العيون ، في باب ما جاء عن الرضا من أخبار التوحيد بإسناده عن علي بن فضال عن أبيه قال : سألت الرضا (عليهالسلام) عن قول الله عز و جل : « و جاء ربك و الملك صفا صفا » فقال : إن الله سبحانه لا يوصف بالمجيء و الذهاب تعالى عن الانتقال إنما يعني بذلك و جاء أمر ربك .
و في الكافي ، بإسناده عن سدير الصيرفي قال : قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : جعلت فداك يا ابن رسول الله هل يكره المؤمن على قبض روحه ؟ قال : لا و الله إنه إذا أتاه ملك الموت ليقبض روحه جزع عند ذلك فيقول ملك الموت : يا ولي الله لا تجزع فوالذي بعث محمدا لأني أبر بك و أشفق عليك من والد رحيم لو حضرك ، افتح عينيك فانظر . قال : و يمثل له رسول الله (صلىاللهعليهوآلهوسلّم) و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من
الميزان في تفسير القرآن ج : 20ص :288
ذريتهم (عليهمالسلام) فيقال له : هذا رسول الله و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة (عليهمالسلام) رفقاؤك . قال : فيفتح عينيه فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول : يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد و أهل بيته ارجعي إلى ربك راضية بالولاية مرضية بالثواب فادخلي في عبادي يعني محمدا و أهل بيته و ادخلي جنتي فما من شيء أحب إليه من استلال روحه و اللحوق بالمنادي .