بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة وبعد :
أقدم لكم نبذة عن حياة الأمام الحسين عليه السلام
المقدمة:
الاسم: الإمام الحسين (ع)
اسم الأب: الإمام علي (ع)
اسم الأم: فاطمة الزهراء (ع)
تاريخ الولادة: 3 شعبان السنة الرابعة للهجرة
محل الولادة: المدينة
تاريخ الاستشهاد: 10 محرم السنة 61 للهجرة
محل الاستشهاد: كربلاء
محل الدفن: كربلاء
الوليد المبارك:
باسمه تعالى
في اليوم الثالث من شعبان، من السنة الرابعة للهجرة، رزقت فاطمة الزهراء عليها السلام وليدها الثاني العظيم.
قامت «أسماء» إحدى رفيقات فاطمة عليها السلام بلفّ الوليد الصغير بقطعةٍ نظيفة من القماش الأبيض، وتقدّمت به نحو الرسول صلّى الله عليه وآله، فتناوله منها واحتضنه، وجعل يوسعه تقبيلاً، ثمّ ضمّه إلى صدره الشريف، وتلا في مسامعه اسم الله وكلمة لا إله إلاّ الله، وأذّن وأقام، ثم أسماه «حسيناً».
طفق الرسول صلّى الله عليه وآله. يرمق الحسين وهو على صدره، ثمّ ضغط عليه برفق وحنان، وشفتاه تتحرّكان بأقوال مبهمةٍ، ثم بدأ يتحسّس أطرافه بمداراةٍ شديدةٍ، وقد شلمه بنظرةٍ ملؤها الحزن، ثم غلبه البكاء.
[ 5 ]
عجبت أسماء لما رأته وقالت: فداك أبي وأمّي، ممّ بكاؤك؟ فأجابها وقد غامت عيناه: «من ابني هذا»، فملكتها الحيرة، ولم تدرك مغزى قوله، فقالت: إنّه ولد الساعة فأجابها بصوتٍ متقطّع: «تقتله الفئة الباغية بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي . . .». ثمّ نهض وهو مثقل بالهمّ وقال لها: «لا تخبري فاطمة فإنّها حديثه عهدٍ بولادةٍ . .».
وتولّى النبي (ص) بنفسه رعاية الحسين. واهتمّ به اهتماماً بالغاً. وقد استشفّ صلّى الله عليه وآله من وراء الغيب كلّ ما سيجري لولده الحسين (ع) وعرف أنّ الله سبحانه قد اختاره ليحفظ به أنوار الإيمان مضيئةً مشعّةً، ويطفئ به وبعائلته شعلة الكفر والنفاق. وتلك نعمة منّ الله بها على أهل بيت نبيّه عليهم السلام، لكنّ المنافقين لا يؤمنون.
بعد رحيل الرسول (صلّى الله عليه وآله)
هل سمعتم ماذا فعل الظالمون بوصايا الرسول صلّى الله عليه وآله؟ إنّهم بعد أن سمعوها منه ووعوا ما يرمي إليه منها، واستقرّت في خواطرهم، عميت
[ 6 ]
عنها قلوبهم، فنقضوا عهود الله ومواثيقه، وتناسوا قدر أسرة النبيّ المطهّرة المهديّة، فوضعوا مصير الإسلام والمسلمين بين أيدي أعداء الإسلام، واختاروا العمى على البصيرة، والظلمات على النور، «واستحبّوا العمى على الهدى».
فلو أنّهم استجابوا إلى أوامر الله ورسوله، إذن لفتحت لهم أبواب النعم، ولنالوا القوّة والمعرفة. لكنّهم أبوا فظلموا أنفسهم، وفي ظلّ جهلهم ونقضهم للعهود نال الإمام العظيم عليّ عليه السلام الشهادة، بينما تربّع معاوية على عرش الخلافة ومن فوق هذا العرش أشهرت السيوف على رقاب المسلمين، في مجازر شاملةٍ، وقتل الإمام الحسن بالسّم.
الحسين (عليه السلام) وبيعة يزيد
أمّا الحسين عليه السلام، فقد احترم الذي رضيه أخوه، فلم يشهر سيفاً في وجه معاوية طيلة حياته، لكنّ معاوية نقض العهد والميثاق وسلّم خلافة الإسلام والمسلمين إلى ابنه الفاجر، الذي ما إن مات أبوه حتّى أصدر أوامره إلى الوليد، عامله على المدينة،
[ 7 ]
كي يأخذ البيعة له من الإمام الحسين، ويدعوه إلى تقديم فروض الطّاعة
دعا الوليد الإمام في منتصف تلك الليلة وقال له: يا حسين آجرك الله في معاوية، وليس هناك اليوم من أبناء رسول الله غيرك، ولست تجهل مقامك بين الناس، فعليك أن تبايع يزيد قبل الجميع، وتسلك مسلك الوفاء، فتكون قدوةً للغير، فأنت ابن بنت رسول هذه الأمّة، وعليك أن تسعى لما فيه خير وصلاح المسلمين
استمع الحسين (ع) إلى الوليد، وسرح في بحر من التفكير والقلق، وأدرك أنّ كلّ شيءٍ قد انتهى، وأنّ يزيد قد صمّم على الشرّ. لقد صمت الحسين عشر سنواتٍ من حكم معاوية. فلم يحرّك ساكناً، أسوةً بأخيه الشهيد، ولكن . . . هل بمقدوره الصمت والسكوت على أعمال يزيد؟ وهل يستطيع أن يبقى متفرّجاً على ظلمه وطغيانه، فيجيز بذلك أعماله وشروره؟ في حين يدرك عليه السلام أنّ الأمّة الإسلامية كانت ترقب ما سيفعله مع يزيد، لأنّ في مبايعته له إقراراً بما كان يرتكبه من منكرٍ. كان عليه
[ 8 ]
السلام يدرك هذا وأكثر منه . . فالتفت إلى عامل يزيد وقال: «إنّ مثلي لا يبايع سرّاً . . فإذا خرجت إلى الناس ودعوتهم للبيعة، دعوتنا معهم . . .».
كان الوليد - كما يقال - ميّالاً للمسالمة، فوافق على تأجيل الأمر إلى الصّباح، غير أن مروان بن الحكم - وكان حاضراً مجلسهما - صاح بالوليد: لئن فارقك الساعة ولم يبايع، لا قدرت منه على مثلها أبداً .. احبسه، فإن بايع وإلاّ ضربت عنقه. فوثب إليه الإمام عليه السلام قائلاً: «يابن الزرقاء، أأنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله ولؤمت». ثم التفت إلى الوليد فأخبره عن عزمه على رفض البيعة ليزيد قائلاً: «أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شارب خمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، ونرى وترون».
التوجه إلى مكّة
في تلك الليلة عزم الحسين على مغادرة المدينة
[ 9 ]
إلى مكّة، ونفّذ ما عزم عليه دون إبطاء، يرافقه أهله وأصحابه الأقربون، وابتعدوا عن المدينة ما أمكنهم ليكونوا في مأمن من مطاردة أعوان يزيد، في هذا السّفر المحفوف بالمخاطر.
أمّا أهل المدينة، والذين كانوا قد عاهدوا الحسين على النصرة والحماية، فلم يبدر عنهم أيّ تحرّكٍ في هذا الاتّجاه، بل لجأ أكثرهم إلى بيوتهم من الخوف.
وصلت قافلة الإمام إلى مكّة، حيث الأمان أكثر، لأنّ مكّة بيت الله، وأرضها حرم الله؛ والعرب يحترمون بيت الله ويقدّسونه منذ القدم، فلا يقتلون لاجئاً إلى الحرم، ويمتنعون فيه عن الحرب والخصام.
لم يمض وقت طويل على وصول الإمام إلى مكّة، حتّى وصلها جواسيس يزيد، وكانت خطّتهم التخلّص من الإمام خفيةً، ثمّ الادّعاء بأنّه قتل في نزاعٍ محلّيّ بسيط.
بقي الحسين (ع) في مكة ما أمكنه ذلك، يحذّر الناس وينبّههم إلى الخطر الذي يشكّله حكم يزيد على الإسلام، كما بعث برسائل إلى رؤساء القبائل
[ 11 ]
يدعوهم إلى الجهاد والنصرة. حتى إذا أحسّ بأعوان يزيد يضيّقون عليه الخناق، اضطرّ للتفكير بتدبير آخر.
الكوفة مركز الأحداث
كانت الكوفة في ذلك الوقت، منطقةً آهلةً بالسّكّان، وكان أهلها ممّن عايشوا علياً عليه السلام زمناً ليس بالقصير، وعرفوا قدره ومكانته، وكانت كوفة تلك الأيام أفضل أرض يراعى فيها الإسلام، كما كان أهلها على دراية واطلاع، فهم يعرفون أهل البيت وفضلهم، في حين كان غيرهم لا يعرفون إلاّ حاكم مدينتهم أو خطيب مسجدها، والأمر لديهم سيّان: حكم عليّ أم حكم معاوية، نصروا الحسين أم نصروا يزيد.
في ضوء هذا كلّه، أرسل الإمام ابن عمه «مسلم بن عقيل» إلى الكوفة، ليعمل على تحضير أصحابه وشيعة أبيه للعمل والجهاد، سيّما وأنّ أهل الكوفة كانوا قد بعثوا برسائل كثيرةٍ، يطلبون منه القيام، كما يطلبون منه قيادتهم للجهاد. وكان الإمام حينها ينتظر موت معاوية، حتى يتوجّه إلى الكوفة، ويعلن من هناك إقامة الخلافة الإسلامية.
[ 12 ]
شعر يزيد بالخطر حين سمع بالتفاف أهل الكوفة حول مسلم رسول الحسين، فعيّن الطاغية ابن زياد لحكم الكوفة، وأوصاه بالبطش والشدّة، وهو ابن لامرأةٍ معروفة بسوء السمعة تدعى مرجانة. كان ابن زياد رجلاً قاسياً متحجّر القلب. كما كان داهيةً صاحب حيلةٍ ومكر، ورث عن أبيه عداوته وبغضاءه لأهل بيت الرسول، إلى جانب وضاعة منبته وسوء خلقه.
خطّط أهل الكوفة يوماً لقتل ابن زيادٍ، فدعاه أحد أعيان المدينة لزيارته في بيته. وكان قد اتّفق مع «مسلم بن عقيل» على أن يخرج فجأةً إلى ابن زياد فينقضّ عليه ويقتله، لكنّ مسلماً لم يفعل، كي لا يعطي ليزيد عذراً، فيحتجّ بأنّ أنصار الحسين هم الذين بدأوا القتال. أمّا ابن زيادٍ فقد أحسّ بالخطر خلال وجوده في هذا البيت، وبعد خروجه أصدر أمراً بالقبض على مسلم وأصحابه، فسجن بعضهم، وقتل مسلماً مع صاحب البيت هانئ بن عروة، ثم أمر بإغلاق مداخل المدينة لا يتسرّب منها أيّ خبرٍ، وكي لا يعلم الحسين بقتل مسلمٍ.
نحو العراق
ولنعد الآن إلى مكّة، حيث تركنا الإمام الحسين يتدبّر أموره، لنستمع إلى ما جرى هناك. فبعد أن أوفد الإمام رسوله مسلماً إلى الكوفة، استعدّ للحاق به، كي يستكمل من هناك ما عزم عليه، ذلك في حين حاول جماعة من كبار أهل مكة أن يقنعوه بعدم الخروج، قائلين له: أنت تعرف أهل الكوفة جيّداً، وأنّهم خذلوا أباك، كما خذلوا أخاك، وسيخذلونك أنت أيضاً، إنّهم قوم ضعاف النفوس والإيمان، ولئن كانت ألسنتهم معك، فإنّ سيوفهم ستكون عليك. ومن الأفضل أن تصرف النظر عن سفرك هذا. لكنّ الإمام لم يستجب لأقوالهم. بل أصرّ على الخروج. إصرار صاحب الرسالة على أداء رسالته، ولو كان فيها الموت، ألا إنّه الموت في سبيل الله والحق.
أحرم الإمام عليه السلام للعمرة فطاف وسعى وقصّر، وطاف طواف النساء وأحلّ من عمرته، دون أن يتمّ حجّه، كي لا يعطي لأعوان يزيد فرصةً لانتهاك حرمة المسجد الحرام، بسفك دمه الطاهر فيه.
[ 16 ]
ثمّ توجّه عليه السلام نحو العراق، قاصداً الكوفة مع أهله وإخوانه ونفر من أصحابه. خرج دون أن يصله أيّ خبر من الكوفة، لأنّ ابن زياد حال - كما نعلم - دون تسرّب الأخبار منها، كما أنّه زرع جواسيسه في كلّ مكانٍ على طول الطريق، كي ينبئوه مسبقاً بقدوم الحسين.
أرض الكرب والبلاء
اقترب الإمام من الكوفة، لكنّ أعوان ابن زيادٍ بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحيّ منعوه من التقدّم، واضطرّوه للنزول في أرض جافّة محرقة تدعى كربلاء، وحين سمع باسمها سرح في تفكير عميق ثم قال: «هذا موضع كرب وبلاءٍ، هاهنا مناخ ركابنا، ومحطّ رحالنا، وسفك دمائنا . .». ثمّ أمر بنصب الخيام.
حين علم ابن زياد بنزول الحسين عليه السلام في أرض كربلاء؛ شرع في تنفيذ خطّةٍ لئيمةٍ ماكرةٍ؛ جمع الناس في مسجد الكوفة الأعظم، وقام فيهم خطيباً، فعدّد لهم «حسنات» حكم يزيد، وأنّه أمره
[ 18 ]
بتوفير الأموال والأرزاق لهم، إن هم خرجوا إلى قتال الحسين، ولم ينس أن يتوعّد من لا يستجيبون له، ويهدّدهم بأنّ أنفسهم وأموالهموعيالهم سيكونون في خطر. وهكذا بين وعدٍ ووعيدٍ استمال الكثيرين منهم، وزجّهم لقتال ابن بنت رسول الله. إنّهم حقاً ضعاف النفوس والإيمان، يتقبّلون أكاذيب ابن زياد، ويخرجون لقتال إمامهم حفيد نبيّهم. إنّه ذاك الطراز من التفكير، تفكير أناس خيّروا بين الحقّ والباطل، فاختاروا الباطل على الحقّ.
الليلة الأخيرة
وأخيراً، حلّت الليلة الأخيرة ، ليلة العاشر من المحرّم، وحين طوت الظلمة كلّ شيءٍ جمع الإمام أصحابه وأهل بيته، وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: «أمّا بعد، فإنّني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، فجزاكم الله جميعاً عنّي خيراً. ألا وإنّي لأظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وإنّي قد أذنت لكم جميعاً، فانطلقوا في حلّ ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً . . فإنّ القوم إنّما يطلبونني، ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري».
[ 19 ]
يا لروعة الكرامة الإنسانية لقد أوضح الإمام لهم كلّ شيءٍ، وحدّد لهم مصيرهم وهو القتل، ليكونوا على بيّنة من أمرهم، ورغب أن ينصرفوا تحت جنح الظلام، فيكون لهم ستاراً، كما أنّ الظلام يخفي خجلهم إن هم رغبوا في فراقه.
لكنّه لم يكد يفرغ من كلامه، حتى هبّت الصفوة الطيبة من أهل بيته يتقدّمهم أخوه العباس قائلين: «لم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً».
وتبعهم خيرة أصحاب الحسين، أمثال حبيب بن مظاهر، ومسلم بن عوسجة، وزهير بن القين وغيرهم، وأعلنوا ترحيبهم بالموت في سبيله. وحين أكّد لهم أنّهم سيلاقون حتفهم هتفوا جميعاً: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرّفنا بالقتل معك.
لقد أشرقت نفوسهم بنور الإيمان، وكانوا من خيرة الرجال صدقاً ووفاءً.
في هذه الليلة، وفي قلب كربلاء؛ في الخيام التي تسمع منها همسات الشوق إلى الشهادة، وقف الإمام الحسين عليه السلام بين صفوة أهله وخيرة أصحابه يحدّثهم فيحسّون بالسّكينة تتنزّل على
[ 20 ]
قلوبهم، ويشعرون بنفوسهم خفيفةً شفّافةً تكاد تطير شوقاً إلى الشهادة، وبقلوبهم تهفو إلى لقاء ربّهم، فيبثّون إليه نجواهم وبوح قلوبهم. ويتوجّهون إليه بالتماس العفو والغفران يقولون: ربّنا اغفر لنا، وتجاوز عن خطيئاتنا، واجعل لنا مكاناً في جنّتك واحشرنا مع الطّيّبين الطاهرين من صفوة خلقك. ربّنا وتفضّل بقبول هذه القرابين من أهل بيت نبيك، ربّنا وأسمع صوتنا ونداءنا إلى خلقك، ربّنا واجعل من موطن قرباننا هذا ميعاداً لعبيدك، ربّنا وأرنا مناسكنا وتب علينا يا ربّ العالمين.
أمّا في المعسكر الآخر، فكانت أصوات الطّبول والمزامير تمزّق بصخبها سكون الليل وهدوءه، بينما انصرف اليزيديون إلى الأكل والشرب كالبهائم يغمرهم فرح يزيدي أثيم.
يوم عاشوراء والمودة في القربى
وأطلّت شمس عاشوراء برأسها من وراء الأفق، ووقف جيش الحقّ في مواجهة جيش الباطل، وأعطى عمر بن سعدٍ أوامره لجنوده، فرموا ابن رسول الله
[ 22 ]
بسهامهم ونبالهم.
ألم يصدر قاضي المدينة حكمه ويقول: هذا الحسين قد خرج من أرضه، يتدخل في الأمور السياسية، ويفرّق بين المسلمين، فيجب أن يقتل بسيف الإسلام، حتى يخلص منه الإسلام؟
عجباً: كيف طوّعت له نفسه قتل أخيه
وقتل الحسين، وقتل أهل بيته، وقتل أصحابه
وديست أجسادهم الكريمة بحوافر الخيل، وبأمرٍ من ابن سعدٍ
وقيل: تدخّلوا في الأمور السياسيّة
لا، غير صحيح، إنّها العداوة المكشوفة لله ولرسوله وللإسلام وللقرآن، إنّه الحقد الكامن في النفوس السوداء
وبعد . . ففي الوقت الذي تركن فيه المخلوقات إلى بيوتها وأوكارها تنشد الرّاحة، كان أهل بيت الرسول، نساؤه وأطفاله، يرسفون بالأغلال، ويطاف بهم من مكانٍ إلى آخر. وفي الوقت الذي كان اسم الله واسم رسوله يرتفع فوق المآذن، كان أهل بيت
[ 23 ]
الرسول يقاسون الأذى والمذلّة والهوان . . أهذه هي المودّة في القربى؟ إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
راح جنود ابن سعد يدوسون الأجساد الطاهرة بسنابك الخيل، حتى شفوا غليلهم ونفثوا سموم حقدهم، ثم التفتوا إلى نساء الحسين و أطفاله يسوقونهم أسرى مكبّلين إلى الكوفة. والكوفة كانت مقرّ عليّ أميرالمؤمنين. والكلّ يعرف ابنته العقيلة زينب، لكم رأوها في بيت أبيها، ولكم حضرت نساء الكوفة مجالسها واستمعن إلى مواعظها، وها هي الآن أمامهم تتقدّم الأسيرات من النساء والأطفال، فأين يوارون خجلهم؟ إنّ أصواتهم التي اختنقت بالبكاء. وألسنتهم التي لهجت باللّعن على ابن سعدٍ، لن تكفي لغسل ذنوبهم، ولن تغفر لهم تقاعسهم، وهذه كلمات العقيلة تتساقط كالسّياط على جلودهم علّها توقظ القلوب النّائمة، وتحرّك النفوس الغافلة.
في الشام
سيق الأسرى بعد أيام إلى الشام، والشام كانت في عيدٍ، أليست تحتفل بانتصار يزيد؟ ها هو يستقبل رأس عدوّه؛ رأس الحسين حفيد رسول الله، يغمره
[ 25 ]
الفرح. ويملأ الفخر أعطافه، راح يسترجع أمجاد آبائه ومآثرهم، ويزهو بها ثم يقول:
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل !!
إنّها آداب اليزيديّين
وفي الشام، استطاع الإمام زين العابدين (ع) أن يتحدّث إلى الناس، ويوقظهم من غفلتهم، ويبسط لهم الحقائق، فهو وأبوه الإمام الشهيد وأهله ليسوا من الخوارج العصاة كما قيل للناس، وهم ليسوا من أعداء الإسلام والقرآن كما اتّهموا زوراً وبهتاناً، وكان ممّا قاله عليه السلام :
«. . فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي . . أنا ابن محمد المصطفى . . أنا ابن عليّ المرتضى . . أنا ابن فاطمة الزّهراء، أنا ابن سيّدة النساء . . أنا ابن المزّمل بالدماء . . أنا ابن ذبيح كربلا . .» ولم يزل يقول أنا، حتّى ضجّ الناس بالبكاء. وتركت صرخة الإمام المدوّية، أهل الشام في ذهولٍ، إذن فهؤلاء أهل بيت النبي ؟ وقامت في الشام بوادر ثورة هوجاء، بعد أن عرف الناس الحقيقة. ثورة تداركها يزيد بإبعاد الأسرى والرؤوس عن الشام.
[ 26 ]
ثم حظر على الناس مجرّد التّفوّه باسم الحسين، وكل من أتى على ذكر الحسين كان مصيره السجن أو القتل.
الشهادة والثورة
كان أوّل من أتى على ذكر الحسين (ع) هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، فقد زار قبر سيّد الشهداء، وهناك ذرف دموعاً سخينةً صادقةً. وانقلبت تلك الدموع عاصفةً على مرّ التاريخ. كان الذين يجهلون قدر هذه الدموع، يردّدون أقوال اليزيديّين، في ذمّها وذمّ صاحبها.
ولكن . . في آتي الأيّام، سيتّجه عشّاق درب الحسين نحو كربلا، حيث يذرفون الدموع، ويؤدّون مناسك الشهادة، ويصونون دم الحسين حيّاً مشتعلاً بالثورة، ويصونون درس الشهادة ناطقاً للأجيال القادمة، فلا ينسى الناس ثورة أبي الثوار الحسين عليه السلام، على الظلم والظالمين . .
لهذا، ولهذا وحده كان بنو أميّة وبنو العباس يحظرون زيارة قبر الحسين (ع) وقبور الشهداء
[ 28 ]
الآخرين. ولكن . . فرغماً عن سعي الأعداء والأجراء، فقد ارتفع على أرض كربلاء صرح عظيم، وأقيمت على تربة الشهداء بيوت خالدة للعبادة، وبقي نور الشهادة مشعّاً على مدى الأزمان، وبقي عهد الشهادة نشيداً يتردّد في الأسماع.
وفي الختام: فقد علّمنا الحسين أنّ الدم يقهر السيف بإرادة الشهادة، حين استشهد في سبيل الله والإسلام.
وعلّمنا أنّ الحياة بالقهر والذلّ هي الموت بعينه، حين أبى أن يعطي بيده إعطاء الذليل.
وعلّمنا كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله، حين غلب بمواقفه ومبادئه جموع الطغاة.
فالحسين مدرسة لكلّ المستضعفين في ثورتهم على المستكبرين.
والحسين إمام لكلّ العاملين على إقامة حكم الحقّ والإسلام.
والحسين هو من قال عنه جدّه رسول الله : سيّد شباب أهل الجنة.